4
لغة القرآن بين الواقع المعاصر وأثرها في وحدة الأمة
***********************************
." بلسان عربي مبين ".
لكل عصر لغته ،ولكل إنسان ما يناسبه من مستوى لغوي ، ولقد يسَّر الله تعالى قراءة القرآن على الأمة فأنزله على سبعة أحرف .
فاللغةهي الخط الفاصل بين الطبيعة والثقافة ، فهي تُشَـكِّــل حيز التواصل عبر العصور، وفي الوقت نفسه تُشكِّـل أساساً للعمل اللغوي الإبداعي في شتى مجالات الفنون، من قصة أو رواية أو شعر أو أعمال نثرية وغيرها من فنون القول والكتابة.
وأصبحت اللغة العربية من أوسع اللغات انتشاراً في العالم، حيث يتحدث بها أكثر من أربعمائة وعشرين مليوناً من العرب . بالإضافة إلى اهتمام المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها باللغة العربية ، فهي لغة دين لما يقارب المليار ونصف مليار من البشر على وجه الأرض . فلا تَصِـح صلاة المسلمين إلا باللغة العربية فهي لغة القرآن الكريم ، واللغة العربية هي إحدى اللغات الرسمية الست في الأمم المتحدة ، والتي اعتُمِدت رسمياً في يوم الثامن عشر من شهر ديسمبر عام 1973 .
فاللغة العربية من أغرز اللغات في مادتها اللغوية ، وهي عبارة عن نهر جارٍ متدفق من الاستعمالات اللفظية والتراكيب المحدثة والمعرَّبة. ولكن ظهر مايسمى باللحن ، أو مايسمى بالانحراف عن الأسلوب التقليدي عند الكُتَّـــاب . فمن المعروف أن الضعف اللغوي كان موجوداً منذ العصور الأولى ، لكنه يختلف قلة وكثرة . فقد بدأت بوادره في العصر الجاهلي ، أما في صدر الإسلام عاشت العربية سليمة نقية بفضل حرص المسلمين على قراءة القرآن الكريم ، والحفاظ على لغته . فكانت اللغة تُنطق بالسليقة دون تكلف ، وهناك من النصوص التي وردت فيها لفظ أو كلمة اللحن بمعنى الخطأ وذلك في كلام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، فقيد قيل له يوماً : (( لقد أسرع إليك الشيب )) فقال : (( شيبني صعود المنابر والخوف من اللحن )) .
من المؤسف أن هذا اللحن بدأ يزيد ويستشري جيلاً بعد جيل إلى أن وصل إلى ما نحن عليه الآن من عاميات دارجة ، وكلمات أعجمية تدور على ألسنة الأغلبية منا بل ويمكن أن أقول على ألسنتنا جميعاً إلا من رحم ربي .
ولكن مجرد انتباه العلماء لذلك اللحن ، فهذه بداية حقيقية لتنقية العربية من التحريف وإنقاذها من التشويه . فقد بذل اللغويون مجهودات مشكورة في تتبع هذه التغيرات وبيان مدى مخالفتها للقواعد .
كانت اللغة العربية هي لغة لقوم يعيشون في قلب الجزيرة العربية ، وأضحت لسان حضارة وثقافة وأداة لكثير من شعوب الأرض التي دخلت في الإسلام ، وعشقت لغة القرآن الكريم . فلغتنا التي وسعت ألفاظ حضارات كثيرة هي قادرة على استيعاب كل جديد . ولا ننسى أنها حملت الدين الإسلامي طيلة أربعة عشر قرناً .
تجري اللغة وتتغلغل في مناشط الحياة كافة فأعمق الحضارات تسجلها اللغة وتصبح ذات شأن ثقافي كالحضارة العربية الإسلامية . والقرآن الكريم الذي حافظ على العربية عبر هذا الزمن من التحول أو الانحراف ، كان سر العربية في أن ألفاظها تحمل دلالات عديدة وقادرة على الإشتقاق والتوليد . كما أنها تقيم من تلك الألفاظ معانٍ غير مرئية ، وهذا ما جعلها تتميز على غيرها من اللغات الأخرى .
لقد حفظت اللغة العربية شخصية الأمة على مر الزمان ، وحتى وقتنا الحالي ، فهي لغة القرآن وكانت اللسان المبين الذي خاطب العرب وخصهم باختياره دون العالمين كما قال الله تعالى في محكم التنزيل : (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )) . وكما جاء في سورة يوسف : (( إنا أنزلناه قرآناً عربياً )). فكل ذلك دلائل عميقة على سر قوة العربية ، فهي لم تعد حروفاً وكلمات فحسب ، بل أصبحت بشراً يتحركون بقدر من الله ، أصبحت شخصية وذاتية في بنية الإنسان . ولايحق لأي فرد أن يعبث بهذه الشخصية لأنه يعبث بالدين واللغة والتاريخ .
وللعربية دور هام في وحدة الأمة ، فعندما انفصلت عن الدولة الإسلامية بعض أجزائها سواء في الشرق أو الغرب ، بدأت السهام تتوجه إلى مقتل الحضارة لهذه الأمة وأهم ما بدأوا به هو اللغة ، لغة الأمة العربية الإسلامية . وحاولوا الوصول إلى هدم الهوية العربية عن طريق استلاب ثقافتها ، فبدأوا بتشجيع اللغات العامية ليفتتوا وحدتها وأشاعوا صعوبة الفصحى . وزرعوا بعض المفاهيم التي كادت أن تدمرنا ، فحاولوا إقناعنا بأن الحرف العربي غير قادر على التشكيل والتعريب وأوهمونا بأن نقل العلوم الحديثة للعربية هو أمر صعب .
لكننا ما دُمنا نعتقد ويرسخ في أذهاننا بأن اللغة العربية هي ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ، فلن يستطيع أحد أن يؤثر علينا ويطغي على هويتنا العربية وأصالتها . فنحن كعرب ؛سواء شعوب أو علماء أو أساتذة أو طلاب ، فيجب علينا أن نتمسك بها دون تشكيك . فهي نحن ونحن هي .