لغتنا حضارتنا

لغتنا حضارتنا

Google Plus Facebook Twitter

 د. خليفة علي السويدي

عن الكاتب

أرشيف الكاتب

عندما غردت في حسابي على «تويتر» تحت وسم «بالعربي» بمناسبة «اليوم العالمي للغة العربية»، وقلت: «عندما يتواصل الأشقاء في المغرب العربي بالفرنسية، ويفكر الأبناء في المشرق العربي بالإنجليزية، ندرك أحد أسرار تخلف الأمة العربية»، ثارت الحمية العربية عند البعض، فأهلنا في المغرب دفاعاً عن أنفسهم وعروبتهم قالوا: إن بعض العرب في المشرق مازالوا ينظرون لهم من زاوية حرجة فيما يرتبط باللغة العربية. واقتبس من الردود، «ومن قال لك أن المغاربة يتواصلون بالفرنسية؟ لماذا دائماً نظرتكم للمغاربة وكأنهم قوم من كوكب زحل؟». وأهل المشرق العربي كانت تعليقاتهم، تنحو نحو أهمية اللغة الأجنبية لمستقبل الإنسان، واقتبس مثلاً على ذلك «يارجال شوفنا حنا يالي مانعرف غير العربي متخلفين ولا أحد راضي يوظفنا عشان مانعرف إنجليزي العربي ما يوكل عيش(خبز)». ومع تقديري واحترامي لكل من علق سلباً أو إيجاباً على ما كتبت، يعرف من تعامل معي حبي للمغرب العربي ومشرقه واحترامي لكل الآراء التي توافقني أو تختلف معي، لكن الهم واحد وهو كيف نعيد لهذه الأمة مكانتها في سجل الحضارات المعاصرة. «اللغة ليست مجرد وسيلة حوار إنساني، أنها برمجة للعقل البشري، ولن تجد حضارة أبدعت بلغة غيرها، هذا ما تعلمته من اليابان وكوريا» كانت هذه تغريدتي الثانية لنفس المناسبة، فقد زرت الكثير من دول العالم المعاصرة التي لها وزن في كوكب الأرض، وتأملت التاريخ المسطور عن الحضارات لأجد أن اللغة مرتبطة بصورة واضحة بالرقي الحضاري، اليوم نعيش الحضارة الأميركية ولها لغتها والقطب الروسي يفخر بلغته كما هو شأن الفرنسيين والألمان أو الكوريين وأهل اليابان، لكننا نحن العرب مازالت لغتنا في الميزان، كتبت التغريدة الأولى بينما كنت مشاركاً في مؤتمر تربوي دولي، ولأن الترجمة الفورية لأكثر من لغة متوفرة قررت طرح آرائي التربوية باللغة العربية التي أعشقها، وكم كانت صدمتي عندما علق أحد وزراء التربية العربية لمدة جاوزت النصف ساعة بلغة أجنبية يتقنها، هنا مربط الفرس كما يُقال. فكيف نتوقع من الأعجمي أن يحترم العربي، والأخير يتنكر للغته الأم، ويفتخر بلغة أجنبية، المشاهد على ذلك كثيرة. لقد ثارت ثورة أحد المسؤولين اليابانيين عندما قررت أن استفزه أثناء زياتي لوزارة التربية لديهم بقولي متى سيتخلص أهل اليابان من لغتهم الصعبة، ويتعلمون باللغة الإنجليزية، وبعد أن ذهب عنه الغضب قال لي حكمة من ذهب، من يتعلم بلغة غيره لن يتمكن من الإبداع مثله، وسيبقى أسيراً لتلك اللغة والحضارة، ومن يتعلم بلغته يفكر بحرية، ويستطيع أن يُسهم في إبداعات الحضارة البشرية. نعم اللغة العربية ليست قاصرة عن مواكبة العالم بمتغيراته، لكننا كبشر لم نحمل هذه اللغة التي قصرنا في حقها وسحقنا موقفها، لست سلبياً في توقعاتي أو توجهاتي، لكننا كلنا ندرك زحمة اللهجات العربية الدارجة في مجتمعاتنا التي غذاها الإعلام العربي بشتى أصنافه. فهناك من يكتب باللهجات الدارجة، وهناك مذيعون ومقدمو برامج ليست اللغة العربية إحدى سماتهم، ولو أضفنا لذلك الغناء والطرب لأدركنا أحد أهم أسرار تأخر العربية في حياتنا. التعليم هو أحد واجهات هدم حصون اللغة العربية، بعض من يعلم اللغة العربية متنكراً لها داخل غرفة الدرس أو خارجها، وأن من يدُرّس اللغة العربية يعرضها كأنه يخاطب «سيبويه» في منزله مما جعل الدرس مملاً، وعندما يُقارن الصغار أدوات وفنون تدريس اللغات الأجنبية باللغة العربية، يتسرب إليهم حب غيرها. أهل الفكر مطلوب منهم المزيد من النظر في مشاريع إصلاح واقع لغتنا لأنها هويتنا وحضارتنا

التعليقات

موضوعات وفرائد اللغة العربية

عدد الزائرين

عدد الموضوعات



موقع فرائد لغوية